بقلم: أحمد بن سعادة

ترجمة: دلال ابراهيم

الثلاثاء 19-11-2013


لم تصدق إسراء عبد الفتاح ما رأت عيناها عندما خرجت من سجن القناطر مساء الثالث والعشرين من شهر نيسان عام 2008 . أخيراً أصبحت حرة بعد ثمانية عشر شهراً من السجن .

في تلك الأثناء ولدى الإفراج عنها كانت ترتدي إسراء الزي الموحد للسجينات المصريات , وهو عبارة عن ثوب أبيض يلف الجسم ويغطي الرأس , بينما تحتجب عيناها التائهتان بحثاً عن وجه مألوف خلف نظارات سوداء . عبرت إسراء البوابات الحديدية لتشاهد خلفهم والدتها , حينها أخذت في الركض مسرعة صوبها , وارتمت في أحضانها وشدتها إليها بقوة حتى ليخيل للناظر إليهما أنهما في جسد واحد وشرعتا في نوبة بكاء طويلة , صعب على المرء أن يشاهدهما دون أن يشعر بالتعاطف معهما . هذا المشهد الذي بثه التلفزيون الرسمي المصري هز مصر كلها ومنه تولدت أسطورة ( فتاة الفيسبوك ) .

لا بد من القول إن الأم قد استغاثت بالأرض والسماء من أجل إطلاق سراح ابنتها . وقبل يومين من الإفراج عن ابنتها دفعت بإعلان مدفوع الأجر في صحيفة المصري اليوم تناشد فيه الرئيس حسني مبارك وزوجته ووزير العدل حبيب العادلي الإفراج عن ابنتها, وأعلنت إسراء أمام الكاميرا أنها لو كانت تعلم أن عملها سيقودها إلى السجن لم تكن لتقدم عليه .

ولكن مَن ارتكب هذا الخطأ الذي يستحق السجن ويجذب انتباه وسائل الإعلام ويثير موجة انتقادات من جانب منظمة الدفاع عن الحريات ؟

تعتبر إسراء عبد الفتاح ناشطة لدى العديد من المنظمات الديمقراطية . والتقت قبل عامين من توقيفها مع أحمد ماهر , حين كانا مناضلين في صفوف حزب الغد بزعامة أيمن نور . وفي الثالث والعشرين من شهر أذار عام 2008 أسسا معاً « حركة 6 ابريل « الرامية إلى دعم العمال في المدينة الصناعية المحلة الكبرى . وكان المخطط يهدف إلى التحريض على إضراب في السادس من نيسان من العام نفسه احتجاجاً على ظروف العمل السيئة وارتفاع أسعار المواد الغذائية . استخدم أحمد وإسراء موقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك من أجل إنشاء مجموعة لجذب أكبر عدد من الأشخاص إلى الاحتجاجات . ونجحوا في هدفهم أكثر مما توقعوا , حيث انضم الآلاف إليهم . واستخدموا شبكة التواصل الاجتماعية والتكنولوجيا الحديثة على نطاق واسع , وسارت على خطا دعوتهم إلى دعم الإضراب العديد من المكونات السياسية مثل حركة كفاية . وعلى الرغم من حظر ذلك رسمياً شهدت حركة ستة أبريل مشاركة الآلاف فيها . الأمر الذي أدى إلى اعتقال المئات وعدد من الجرحى وليس أقل من ثلاثة قتلى .

وشد النجاح البارز لاستخدام شبكة التواصل الاجتماعي من قبل حركة ستة أبريل قوات الأمن التي حددت هوية متزعمي هذه الحركة , وبناء عليه وجدت إسراء ( فتاة الفيسبوك ) نفسها في السجن .

وكما اوضحت العديد من وثائق ويكيليكس كانت إسراء عبد الفتاح ومعها عدد من الناشطين المصريين في عداد الأشخاص المعروفين في السفارة الأميركية في القاهرة , ويمكن أن ندرك ذلك من خلال الاطلاع, على سبيل المثال على فحوى البرقية رقم CAIRO99 10و CAIRO215 10 التي يتم فيها ذكر اسم الاثنين على وجه التحديد .

وتتناول البرقية رقم CAIRO99 10 اعتقال ثلاثين ناشطاً سياسياً كانوا قد سافروا معاً من أجل تقديم واجب العزاء إلى العائلات القبطية الست ضحايا عملية إطلاق نار وقع في السادس من كانون الثاني 2010 . ومن بين السبعة عشر ناشطاً الذين كانوا ضمن تلك المجموعة يرد اسم إسراء عبد الفتاح وباسم فتحي وأحمد بدوي وباسم سمير . وهؤلاء الأربعة هم أعضاء في ( أكاديمية الديمقراطية المصرية ) وهي منظمة غير حكومية ممولة من قبل الصندوق الوطني الأميركي لنشر الديمقراطية .

وقبل أن نذهب بعيداً يجدر الإشارة إلى أن الصندوق الوطني لنشر الديمقراطية يعتبر جزءاً من مجموعة هيئات أميركية معنية بتصدير الديمقراطية تمولهم الإدارة الأميركية . ومن بينهم ( الوكالة الأميركية للتنمية الدولية ) وفريدوم هاوس . وهذه الهيئات التي تمول الناشطين في الثورات الملونة تمول أيضاً الناشطين العرب لقيادة ما شاع دعوته « الربيع العربي ».

وفي شهر حزيران من عام 2010 حصلت إسراء عبد الفتاح على جائزة ( الجيل الجديد) التي تقدمها فريدوم هاوس , الأمر الذي يؤكد أكثر على علاقة حركة ستة أبريل مع هذه الهيئة .

وفيما يتعلق بحزب الغد الذي تنتسب إليه إسراء وماهر , والذي يعتبر أحمد بدوي عضواً مؤسساً فيه , فيتلقى تمويله من الصندوق الوطني لنشر الديمقراطية ومن المعهد الجمهوري الدولي ( للحزب الجمهوري ) ومن المعهد الوطني للديمقراطية للشؤون الدولية ( الحزب الديمقراطي ) وكذلك من منظمات أميركية , كما أعلن بصراحة وائل نوارة , الأمين العام لهذا الحزب . مع الإشارة إلى أن المعهد الوطني للديمقراطية للشؤون الدولية والمعهد الجمهوري الدولي هما من ضمن الوكالات الأربع التي يتم من خلالها دفع المنح .

ومن جهة أخرى , تعتبر حركة كفاية من المعارضة المدعومة من قبل المنظمة الأميركية التي تدعى ( المركز الدولي للنضال السلمي ) وهو مركز يعمل بتعاون وثيق مع فريدوم هاوس وكانفاس .

وعلى الرغم من أن اللوحة المرسومة عن الناشطين المصريين ليست شاملة , إلا أن جميع الناشطين الآنف ذكرهم وكذلك الوكالات التي انتسبوا إليها لعبوا دوراً في تنظيم المظاهرات والاحتجاجات ( الربيعية ) المصرية التي أطاحت بحكم حسني مبارك في الحادي عشر من شباط عام 2011 .

ومن الممكن من جهة أخرى رسم قائمة مماثلة لكل دولة عربية على حدة , وبشكل خاص لتلك الدول التي مر عليها ( الربيع ) . وقد شرح المدون التونسي سامي بن غربية في مقال مثير للاهتمام بعنوان « الناشطين العرب في مواجهة الحرية على الانترنيت بصناعة أميركية « هذا التواطؤ القائم بين النشاط العربي و ( المصالح ) الأميركية . ونشر هذا المقال حتى قبل رحيل الرئيس التونسي بن علي .

هذا وقد أتاح تدريب وتمويل الناشطين العرب من قبل وكالات « تصدير الديمقراطية « الفرصة لإنشاء ( جامعة انترنت عربية ) حقيقية , يقدم أعضاؤها المساعدات لبعضهم البعض , حسبما أشار ديفيد .د كيركباتريك وديفيد سانجيه في مقال لصحيفة نيويورك تايمز , وكذلك اعترف فيها الناشط التونسي الشهير سليم عمامو خلال مقابلة أجريت معه في حزيران عام 2011 . وكيف تم ذلك هذا ما سنراه في مقال آخر .

 

Le Grand soir عن موقع


هذا المقال باللغة الفرنسية